إما العلم وإما الزواج
أنيس منصور ..
نشرت أخيراً المذكرات الشخصية لأعظم العلماء الانجليز دارون بمناسبة مرور مائتي سنة على مولده و150 عاماً على نشر كتابه النووي «أصل الأنواع» الذي معناه أن كل كائنات لها مصدر واحد ثم تطورت وبقى الأصلح. وهو من أعظم وأخطر الكتب التي ألفها إنسان. هذا الرجل العظيم دارون لم يكن كذلك عندما فرغ من رحلته الشهيرة وقرر أن يتزوج. لماذا قرر؟ لم يوضح برغم أنه استنطق الصخر والحفائر والخنافس والحشرات والنباتات والقرود. وعرف السر الدفين والطريق الذي اختارته في سلم الترقي حتى صارت ما هي عليه الآن.. إلا في موضوع الزواج. تعذب. هل يتزوج ؟ هل المرأة تساوي أو لا تساوي. هل تشغله عن أبحاثه العلمية. إن رسائله تؤكد عذابه وحيرته. ولكنه في جميع الأحوال لم يقتنع بأنها ضرورية. وأن العالم قد نذرته الطبيعة لأن يكون حاملاً لمصباحها ودليلاً عن أسرارها. والفيلسوف الألماني العظيم كان قد فكر في الزواج، وبعد أن أطال التفكير وجد أنها تجربة لا قيمة لها. ولا تعنيه كثيراً أن تتوقف الحياة عنده ولا يهمه أن يساعد على أن يمد هذه الحياة ويكون له أولاد.
وعبقري الموسيقى بيتهوفن كان في نيته أن يتزوج. ولكن النساء اللاتي عرفهن لم يطقن الحياة معه. ويكفي جداً أن يذهبن إلي بيته ليرين الحشرات تخرج من فراشه والزبالة والمخلفات في كل مكان. ثم أنه ليس عنده وقت لكي يستحم ولو مرة كل شهر.
والفيلسوف العظيم شوبنهور عنده سببان لكي لا يتزوج: أولاً لا يريد امرأة مثل والدته. ويكفيه لعنة واحدة أن تكون له أم.. والثاني أن هذا الكائن طويل اللسان طويل الشعر ضيق الأفق والكتفين ليس إلا مصيدة الطبيعة لكي تجدد الحياة. وليس الحب إلا خدعة من أجل اصطياد الرجل. والزواج ضد العلم وضد الفلسفة. والإنسان لا يدخل التاريخ لأنه أب أو لأنه فحل، وإنما لأنه أضاف شيئاً إلى التراث الإنساني!