السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
الساعة البيولوجية عند البشر
الساعة البيولوجية اسم شائعٌ يطلق على النظام الزمني الغامض الذي يؤثر في النباتات والحيوانات، ويحفظ الوقت الدقيق للأيام والأسابيع والشهور وحتى السنين. وهو يحدّد أيضًا مواعيد أنشطة الكائنات الحية ليجعلها في تناسق مع التغيرات المنتظمة في بيئاتها. فتهاجر الطيور، وتنمو الأسماك، وتتفتح الزهور حسب جداول زمنية تحددها الساعات المبنية في داخلها. وتحدد الساعة البيولوجية في البشر أوقات نومنا، واستيقاظنا وكثيرًا من أنشطة الجسم. ويسمى العلم الذي يتعامل مع دراسة الساعات البيولوجية، علم التسلسل الزمني الأحيائي.
ولايعرف أحدٌ أين تكمن الساعات البيولوجية، أو كيف تعمل. ويعتقد بعض العلماء أن كل كائنٍ حيٍّ لديه نظامه الزمني الخاص المركب داخله، والذي يعمل باستقلالية. أما الآخرون فيعتقدون أن الساعات بنتها الإيقاعات الطبيعية للقوى الكهرومغنطيسية والجاذبية الأرضية.
ومازال البعض يفترض أن هناك قوى داخل الجسم وخارجه ضرورية للحفاظ على دقة الساعات. ويأمل العلماء أن تعطيهم التجارب على النباتات والحيوانات في الفضاء الخارجي، بعيدًا عن إيقاعات الأرض الطبيعية، معلومات أكثر عن كيفية عمل الساعات البيولوجية.
أهمية الساعات البيولوجية
تحافظ الساعات البيولوجية على متابعة مسار التغيرات المتناغمة في البيئة، بما فيها النهار، والليل، وحركة المد والجزر في المحيطات، وأوجه أو أطوار القمر، وفصول السنة. ويبدو أن الكثير من الكائنات الحية وربما كلها، لديها دورات داخلية تسمى الإيقاعات البيولوجية (الحيوية) تستجيب لتلك التغيرات التناغمية الخارجية. وتبدو الإيقاعات البيولوجية لكل نوع معين، وكأنها موقّتة لتُمكن الكائن من الإفادة من التغيرات الحادثة في بيئته. وتستمر الإيقاعات البيولوجية حسب جدولٍ زمني حتى في المختبرات، حيث تحجب النباتات والحيوانات عن كل إشارات مرور الوقت والتغير الخارجي. ولكن الإيقاعات يمكن أن تتغير ـ ويعاد تركيب الساعة البيولوجية ـ عن طريق تغيير الوقت الذي يستقبل فيه الحيوان أو النبات الضوء. وعلى سبيل المثال تجري الفئران في العادة بالليل، وسرعان ما تعيد وقت جريانها إذا ما نُقلت إلى فترة زمنية أخرى، أو وُضعت تحت جدول زمني ضوئي اصطناعي.
الإيقاعات اليومية. يعتمد الكثير من الإيقاعات البيولوجية على دورة الليل والنهار، وتسمى الإيقاعات اليومية، لأنها تحدث كل 24 ساعة. وبالنسبة لمعظم الكائنات الحية فإن دورة الليل والنهار تقسم إلى فترات نشاط وفترات راحة. ولكن هذه الفترات لاتحدث في الوقت نفسه من اليوم لدى كل الكائنات الحية. فالبشر ينشطون بدرجة كبيرة في النهار، ويخلدون إلى الراحة في الليل. وتتبعُ القرود الكبيرة والصغيرة، والنحل، والفراشات، والكثير من أنواع الحيوانات أيضًا الجدول الزمني نفسه. ومن جهة أخرى فإن الخفافيش والقطط والعث والبوم تنشط في الليل. وتحدد الساعة البيولوجية في كل نوع الجدول الزمني الذي يناسبه.
وتُفْصِحُ النباتات أيضًا عن إيقاعات يومية. فهي على سبيل المثال، ترفع أوراقها في وقت النهار وتخفضها بالليل. وتسمى هذه التغيرات المتناغمة حركات النوم. وهي عادة ما تستمر حتى حينما تُحفظ النباتات في أماكن لايتغير فيها الضوء أو درجة الحرارة.
إيقاعات أخرى. تُظِهر السرطانات اللاهية وحيوانات الشاطئ الأخرى إيقاعات معقدة. فجلد السرطانات العازفة يسود عند الفجر، ويصير شاحبًا عند الغسق. وتتكيف أنشطتها في الجريان مع المد الذي يعلو ويهبط، بعد ذلك بخمسين دقيقة كل يوم. وتستمر السرطانات العازفة المحفوظة في المختبرات في تغيير لونها في الظلام، وتستجيب لحركة المد في موطنها الأصلي على الشاطئ. وحينما تنقل، على أية حال، إلى شاطئ جديد تختلف فيه أوقات المد والجزر، فإنها تكيف أنشطتها مع توقيت المد الجديدة، وتعيد توقيت ساعاتها البيولوجية آليا.
ويملك الكثير من الكائنات الحية، بما فيها سمك الجرونيون، وهو سمك صغير يوجد على امتداد ساحل كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية، إيقاعات ولادة شهرية أو شبه شهرية، من فبراير إلى سبتمبر عند أقصى ارتفاع للمد. ويَعْتلي سمك الجرونيون كل 14,8 يومًا موجة المد المتجهة إلى الشاطئ، حيث تضع الإناث بيضها في الرمال الرطبة، وتأتي الذكور لتخصبها.
وتحمل الموجة التالية الأسماك ثانية إلى المحيط، ولكن يبقى البيض على الشاطئ. وعند المد العالي التالي ـ بعد 14,8 يومًا أخرى ـ تأتي موجة، وتحطم البيض، وتحمل الأسماك الصغيرة إلى عرض المحيط.
وتحدد الساعات البيولوجية الجداول الزمنية للإيقاعات السنوية في الكائنات الحية؛ فهي تتحكم في نمو البذور، وسكون وهجرة الطيور والحيوانات الأخرى. وتبدو هذه الساعات مهمة أيضًا في مساعدة الطيور والأسماك والقشريات والحشرات على الملاحة. والساعات التي تستخدم في الاقتران مع الشمس والقمر، والنجوم تساعدها على التصحيح باستمرار بالنسبة لدوران الأرض، والبقاء على المسار الصائب.
الساعة البيولوجية عند البشر
تعمل الساعة البيولوجية عند البشر حسب جداول زمنية ضرورية للحياة وللصحة. وللبشر إيقاعات بيولوجية يومية، وأسبوعية، وشهرية، وسنوية. ويختلف مستوى الهورمون والكيميائيات الأخرى في الدم على مدى هذه الفترات الزمنية. وكثير من عمليات الجسم الحيوية تتم بانتظام كل 24 ساعة وتتسق أنشطة الخلايا والغدد والكليتين والكبد والجهاز العصبي بعضها مع بعض، ومع إيقاع النهار والليل في البيئة.
يتغير المعدل الذي تتم به عمليات الجسم تدريجيًّا في أثناء اليوم. وعلى سبيل المثال تختلف درجة حرارة الجسم بمقدار درجة واحدة خلال فترة الأربع والعشرين ساعة. وتبلغ درجة الحرارة أدنى مستوى لها في وقت الراحة بالليل، وترتفع في أثناء النهار، وهي الفترة النشيطة.
وتصبح ـ أنت مثلاً ـ على أكبر قدر من الوعي بنظام التوقيت البيولوجي، عندما تسافر بطائرة نفاثة إلى مناطق يختلف فيها التوقيت. فإذا سافرت بالطائرة من شيكاغو إلى لندن في وقت متأخر بعد العصر، فستصل لندن وسكانها على وشك أن يبدأوا يومهم. وعلى أية حال سوف يظل نظامك التناغمي يعمل حسب توقيت شيكاغو. وحسب الوقت في لندن سوف تصاب بالأرق ليلاً، ويغلب عليك النعاس أثناء النهار. وسوف تعيد ساعتك البيولوجية توقيت نفسها، ولكن ذلك يستغرق عدة أيام. وبالتالي سوف تكون وظائف جسمك خارج الإيقاع، وتهبط كفاءتك، وتشعر بالتعب. ويسمى هذا تخلف النفاثة أو إرهاق النفاثة.
ويعتقد بعض الباحثين أنه كلما تم التحكم بطريقة أفضل في معرفة الساعات البيولوجية والإيقاعات البيولوجية، فسوف يساعد هذا العلماء في إيجاد الطرق لاستخدام الإيقاعات لمصلحتنا. وعلى سبيل المثال، ربما يستطيع الأطباء تشخيص المرض وهو في طوره المبكر بوساطة التغير في إيقاعات الجسم. ويعتقد العلماء أن الإيقاعات البيولوجية تؤثر في الوقت الذي ربما يحدث فيه المرض أو يشتد. وعلى سبيل المثال تزداد أزمات المصابين بداء الربو عند وقت النوم، وتحدث معظم نوبات الصرع في الصباح أو المساء. وتؤثر أيضًا الإيقاعات البيولوجية في مدى السرعة التي يؤثر بها الدواء والفترة التي يستمر فيها التأثير. وهكذا فإن معرفة الإيقاعات البيولوجية ربما تمكن الطبيب من إعطاء الدواء في الوقت الذي يزيد فيه احتمال استفادة جسم المريض منه إلى أقصى درجة ممكنة. وسوف يزيد التوسع في المعرفة العلمية للإيقاعات البيولوجية من نجاحنا في اكتشاف الفضاء الخارجي والحياة فيه.
منقوول والله أعلم